لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
147901 مشاهدة
مكروهات الصلاة

ويكره: الالتفات في الصلاة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسة الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري .
ويكره العبث، ووضع اليد على الخاصرة، وتشبيك أصابعه، وفرقعتها، وأن يجلس فيها مقعيا كإقعاء الكلب، وأن يستقبل ما يلهيه، أو يدخله فيها وقلبه مشتغل: بمدافعة الأخبثين، أو بحضرة طعام، لقوله -صلى الله عليه وسلم- لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان متفق عليه .
ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفترش الرجل ذراعيه في السجود.


ثانيا: ما يكره في الصلاة:
قوله: (ويكره: الالتفات في الصلاة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الالتفات في الصلاة ... إلخ): يكره الالتفات في الصلاة، ويكون مبطلا إذا انحرف عن القبلة انحرافا كليا، فإذا كان وجهه للقبلة وصدره ثم انحرف إلى جهة الجنوب بانحراف القدمين، فهذا قد ترك شرطا وتبطل صلاته ولو عاد، وأما لو لوى وجهه من هنا ومن هنا فهو مكروه، ولكنه لا يبطل الصلاة، فقد التفت الصحابة لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مريضا، وأطل بوجهه من النافذة فالتفتوا ورأوه فهذا الالتفات لا يبطل الصلاة، كذلك لما تقدم أبو بكر يصلي أخذ الناس يصفقون، فالتفت فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- فرفع يديه ورجع فلم تبطل صلاته بهذا الالتفات، كذلك في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام بعث رجلا عينا فصلى فجعل يلتفت ينظر مجيء ذلك الرجل فدل على أن الالتفات اليسير لا يبطلها، لكنه يكره.
ودليل كراهية الالتفات أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد والاختلاس هو: الأخذ بخفية، أي: يسلب من صلاة العبد بخفية حتى ينقصها، وفي حديث آخر أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن أحدكم إذا صلى فإن الله ينصب وجهه اليه، فلا يلتفت، فإنه إذا التفت أعرض عنه .
قوله: (ويكره العبث... إلخ):
ومن المكروهات: العبث اليسير في الصلاة ذكرنا أن الحركة الكثيرة تبطل الصلاة، أما العبث اليسير فلا يبطلها، ولكنه يكره، ومن ذلك: تحريك الأصابع، والعمامة، ووضع اليد على الخاصرة (رأس الورك)، فقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يصلي الرجل محتصرا وفسر ذلك بوضع اليد على الخاصرة، كما فسره صاحب البلوغ، كذلك تشبيك الأصابع، وهو إدخال بعضها في بعض، فإنه يعتبر عبثا؛ لأنه مأمور بوضع اليدين على صدره أو بطنه، فكونه يخرجها ويشبكها يعتبر من العبث، كذلك الفرقعة من العبث؛ سواء شبكها ولواها أو لوى بعضها، فهذه الأمور لا تبطل الصلاة ولكنها مكروهة.
قوله: (وأن يجلس فيها مقعيا كإقعاء الكلب):
ومن مكروهات الصلاة كذلك : أن يجلس مقعيا كإقعاء الكلب وقد ذكر النووي للإقعاء تفسيرين:
الأول: أن ينصب قدميه، ويجلس على إليتيه، ويسمى مقعيا، أي: يجعل الإليتين على عقبيه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب وكذلك ثبت في حديث عائشة أنها قالت: وكان ينهى عن عقبة الشيطان وفسر بأن ينصب قدميه ويجلس عليها.
الثاني: قيل: إن إقعاء الكلب أن ينصب ساقيه ويجلس على إليتيه ويضع يديه على الأرض، وكلاهما منهي عنه في الصلاة.

قوله: (وأن يستقبل ما يلهيه):
ومن مكروهات الصلاة كذلك : استقبال ما يلهيه أي: ما يشغل باله فقد ثبت أنه صلى مرة، وقد سترت عائشة رضي الله عنها فرجة بقرام -أي بستارة- فيها شيء من الخطوط، فقال: أميطي عني قرامك، فإن تماثيله ألهتني آنفا عن صلاتي كذلك صلى مرة وعليه خميصة لها أعلام فلما صلى خلعها، وقال: اذهبوا بخميصتي هذه لأبي جهم، وأتوني بإنبجانيته، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي كأنه فكر في خطوطها قليلا.
فإذا كان أمامك شيء فيه خطوط أو كتابات أو تماثيل، فإنك تزيلها حتى لا يكون هناك ما يشغل قلبك، أما إذا كانت معتادة ولا ينشغل بها فلعله يتسامح فيها، كالكتابات التي في المسجد النبوي ونحوه، فلا حيلة في إزالتها، وكثير من الناس ينشغل بالقراءة فيها أثناء الصلاة، والمصلي مأمور بأن ينظر إلى موضع سجوده.
قوله: (أو يدخله فيها وقلبه مشتغل: بمدافعة الأخبثين، أو بحضرة طعام):
ومن مكروهات الصلاة : أن يدخل في صلاته وهو شاغل قلبه بمدافعة أحد الأخبثين ؛ لأنه إذا كان يدافع البول أو الغائط لا يطمئن في صلاته، بل يكون في اضطراب وشدة، فعليه قبل أن يدخل الصلاة أن يتخلى، وأن يذهب ما يشوش عليه الخشوع، حتى يدخل الصلاة بطمأنينة.
كذلك إذا كان قلبه متعلقا بالطعام كالصائم شديد الجوع إذا كان في الطعام قلة، كما في العهد الأول، فإن ابن عمر كان يتعشى وهو يسمع قراءة الإمام؛ لأنه كان يصوم، والغالب أنه يصوم في شدة الحر والنهار طويل، وقد يصوم من غير سحور أو يكون السحور قليلا، ونفسه تتوق إلى ذلك الطعام، ولو صلى قبل أن جمل لكان قلبه منشغلا، أما في هذا الزمن فالناس لا يحسون بالجوع غالبا والأطعمة كثيرة وفيرة، فلا يكون القلب منشغلا بها.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله الدليل على ذلك فقال: لقوله -صلى الله عليه وسلم- لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان .
قوله: (ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفترش الرجل ذراعيه في السجود):
ومن مكروهات الصلاة : أن يفترش الرجل ذراعيه في السجود، وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يفترش الرجل ذراعيه في السجود وفي بعض الروايات: انبساط الكلب أو افتراش الكلب، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد أحدكم فلا يبسط ذراعيه انبساط الكلب فهو مأمور بأن يكون سجوده على الكف لا على الذراع، فإذا بسط ذراعيه ومدهما على الأرض، يكون أشبه ببسط الكلب.